فصل: شهر جمادى الأولى سنة 1216:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر جمادى الأولى سنة 1216:

استهل بيوم الخميس وفيه قرئت فرمانات صحبة عثمان كتخدا وفيها التنويه بذكر أعيان الكتبة الأقباط والوصية بهم مثل جرجس الجوهري واصف وملطي ومقدمهم في تحرير الأموال الميرية.
وفيه انفصل مولانا السيد محمد المعروف بقدسي أفندي عن القضاء وسافر ذلك اليوم، وذلك بمراده واستعفائه وطلبه وتقلد القضاء عوضه عبد الله أفندي قاضي الميري وكاتب الجمرك وحضر في ذلك اليوم الى المحكمة.
وفي يوم السبت ثالثه، أفرج عن حسن آغا المحتسب بشفاعة عثمان كتخدا وحسن آغا وكيل قبطان باشا من غير شيء وتوجه الى دار بجوار داره.
وفيه تجمع النساء والفلاحون والملتزمون والوجاقلية ببيت الوزير بسبب الالتزام والمنع من التصرف وحضور الفلاحين للضيق عليهم بطلب المال الى ملتزميهم ومطالبتهم إياهم بما قبضوه منهم، فلما اجتمعوا وصرخوا سأل الوزير عن ذلك فأخبروه، فأمر بكتابة فزمان بالإطلاق والإذن للملتزمين بالتصرف ووجهوا الأمر الى الدفتردار، فكتب عليه ثم الى الروزنامجي كذلك، ثم توجهوا الى دفتردار الدولة فتوقف وبقي الأمر زجاجاً أياماً، وذلك أن القوم يريدون أموراً مبطونة في نفوسهم وأطماعاً مركوزة في طباعهم.
وفي يوم الإثنين، نودي بالزينة ثلاثة أيام أولها الأربعاء وآخرها الجمعة تاسعه سروراً بتسليم الإسكندرية فزينت المدينة وعملت الوقدات بالأسواق والمغاني للفرجة ليلاً ونهاراً وكل ليلة يعمل شنك نفوط وسواريخ وبارود ببركة الغرابين المطل عليها بيت الوزير.
وفيه حضر نحو ستة أنفار من أعيان الانكليز وصحبتهم جماعة من العثمانية يفرجونهم على مواطن مزارات المسلمين فدخلوا الى المشهد الحسيني وغيره بمداساتهم فتفرجوا وخرجوا.
وفيه تحاسب السيد أحمد المحروقي مع السيد أحمد الزرو على شركة بينهما فتأخر علي الزرو أحد وعشرون كيساً فألزمه بإحضارها وحبسه بسجن قواس باشا وأمره بالتضييق عليه، ولما أصبح يومالسبت لغط الناس باستمرار الزينة سبعة أيام، وانتظروا الإذن في رفع التعاليق، فلم يؤذن لهم بشيء، فاستمروا طول النهار في اختلاف وحل وربط، ثم أذن لهم قبيل الغروب برفعها بعدما عمروا القناديل، وكان الناس يبيتون سهارى بالحوانيت والقلقات يطوفون بالأسواق، فمن وجدوه نائماً نبهوه بإزعاج.
وفي يوم الإثنين ثاني عشره، وقع من طوائف العسكر عربدة بالأسواق وتخطفوا أمتعة الناس ومن باعة المآكل كالشواء والفطير والبطيخ والبلح فانزعجت الناس ورفعوا متاعهم من الحوانيت وأخلوا منها وأغلقوها فحضر إليهم بعض أكابرهم وراطنهم فانكفوا ورق الحال وتبين أن السبب في ذلك تأخير علائفهم، وذلك أن من عادتهم القبيحة أنه إذا تأخرت عنهم علائفهم فعلوا مثل ذلك بالرعية وأثاروا الشرور، فعند ذلك يطلبون خواطرهم ويعدونهم أو يدفعون لهم.
وفيه ورد الخبر بتولية محمد باشا خسرو على مصر وهو كتخدا حسين باشا القبودان فألبس الوزير وكيله خلعة عوضاً عنه وأشيع عزل محمد باشا أبي مرق وسفره الى بلاده وحضر السفار أيضاً من جهة رشيد وإسكندرية وأخبروا بأن الفرنساوية لم يزالوا بإسكندرية وبنديراتهم على الأبراج وأن القبطان ومن معه لم يدخلوها وإنما يدخلها معهم الانكليزية وأنهم ينتظرون الى الآن الجواب والإذن من شيختهم وما أشيع قبل ذلك فلا أصل له، وأما الطائفة الأخرى التي سافرت من مصرفاتهم نزلوا وسافروا على وفق الشرط من أبي قير كما تقدم.
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه، وردت مكاتبة من قبطان باشا بطلب عثمان بك المرادي وعثمان بك البرديسي وابراهيم كتخدا السناري والحاج سلامة تابعه وآخرين فسافروا في يوم السبت رابع عشرينه.
وفي ليلة السبت المذكور قتلوا شخصاً يسمى مصطفى الصيرفي من خط الصاغة قطعوا رأسه تحت داره عند حانوته وسبب ذلك أنه كان يتداخل في نصارى القبط والذين يتعاطون الفرد ويوزعونها، وتولى فردة أهل الصاغة وسوق السلاح وتجاهر بأمور نقمت عليه وأضر أشخاصاً وأغري به فحبس أياماً، ثم قتل بأمر الوزير وترك مرمياً ثلاث ليال، ثم دفن وفي صبيحة قتله طاف المشاعلي بالخطة ودوائرها مثل الجمالية والضببية والنحاسين وباب الزهومة وخان الخليلي فجبي من أرباب الحوانيت دارهم ما بين خمسة أنصاف فضة وعشرة وعند شيله جبى القلقات أيضاً ما يزيد على المائة قرش، وذلك من جملة عوائدهم القبيحة.
وفيه هرب السيد أحمد الزرو، فلم يعلم له خبر وذلك بعدما أطلق بضمانة السيد أسعد وابن محرم فكتب الوزير عدة فرمانات وأرسلها صحبة هجانة الى جهة الشام وختموا على دوره ولم يعلم هروبه إلا بعد أربعة أيام لما داخله من الخوف بقتل الصيرفي المذكور.
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه، عقد ابراهيم بك الكبير عقد ابنته عديلة هانم التي كانت تحت ابراهيم بك الصغير المعروف بالوالي الذي غرق بواقعة الفرنسيس بانبابة على الأمير سليمان كاشف مملوك زوجها الأول على صداق ألفين ريال وحضر العقد الشيخ السادات والسيد عمر النقيب والفيومي وبعض الأعيان.
وفي يوم الجمعة، غايته قتل شخص أيضاً بسوق السلاح وهو من ناحية المنصورة وجبى المشاعلية والقلقات دراهم من أرباب الحوانيت مثل ذلك المذكور فيما تقدم، وانقضى هذا الشهر وحوادثه التي منها الارتباك في أمر حصص الالتزام والمزاد في المحلول وعدم الراحة والاستقرار على شيء يرتاح الناس عليه، ومثل ذلك الرزق الأحباسية والأوقاف وحضر شخص تولى النظر والتفتيش على جميع الأوقاف المصرية السلطانية وغيرها، وبيده دفاتر ذلك فجمع المباشرين واستملاهم وكذلك كاتب المحاسبة وبث المعينين لإحضار النظار بين يديه وحسابهم على الإيراد والمصرف وأظهر أنه يريد بذلك تعمير المساجد وإجراء شروطات الأوقاف وآخر مثله لتحرير الأوقاف والمساجد الكائنة بالقرى المصرية وانضمت إليه الأغوات وطلب كل من كان له أدنى علاقة بذلك واستمروا على ذلك بطول السنة، ثم انكشف الأمر وظهر أن المراد من ذلك ليس إلا تحصيل الدراهم فقط وأخذ المصالحات والرشوات بقدر الإمكان بعد التعنت في التحرير والتعلل بإثبات المدعي في الإيراد والمصرف خصوصاً إذا كان الشخص ضعيفاً وليس من أرباب الوجاهة والمتجوهين أو بينه وبين الكتبة حزازة باطنية. ثم يحررون دفتراً ويحررون الفائظ، ثم يطلبون منه إيراد ثلاث سنوات أو أربع، ولم يزل حتى يصالح على نفسه بما أمكنه، ثم يختمون له ذلك الدفتر ويتركونه وما يدين إن شاء عمر. وإن شاء آخر فإن انتهت إليهم بعد ذلك شكوى في ناظر وقف سبقت له مصالحة لا تسمع شكوى الشاكي ولا يلتفت إليها ويفعلون هذا الفعل في كل سنة.
ومنها زيادة النيل الزيادة المفرطة عن المعتاد وعن العام الماضي أيضاً حتى غطى الذراع زاده الفرنساوية على عامود المقياس فإن الفرنساوية لما غيروا معالم المقياس رفعوا الخشبة المركبة على العامود وزادو فوق العامود قطعة رخام مربعة مهندمة وجعلوا ارتفاعها مقدار ذراع مقسوم بأربعة وعشرين قيراطاً، وركبوا عليها الخشبة فسترها الماء أيضاً ودخل الماء بيوت الجيزة ومصر القديمة، وغرقت الروضة، ولم يقع في هذا النيل حظوظ، ولا نزهة للناس كعادتهم في البرك والخلجان والمراكب وذلك لاشتغال الناس بالهموم المتوالية وخصوصاً الخوف من أذى العسكر وانحراف طباعهم وأوضاعهم، وعدم المراكب وتخريب الفرنسيس أماكن النزاهة وقطع الأشجار وتلف المقاصف التي كانت تجلس بها أولاد البلد مثل دهليز الملك والجسر والرصيف، وغير ذلك مثل الكازروني والمغربي وناحية قنطرة السد وقصر العيني والقصور.
ومنها أن محمد بك المعروف بالمنفوخ المرادي، حصل عنده وحشة من قبطان باشا فحضر الى ناحية الأهرام بالجيزة، وطلب الحضور عند الوزير يستجير به فذهب إليه خشداشه عثمان بك البرديسي وحادثه وأشار عليه بالرجوع الى جهة القبطان، فأقام أياماً، ثم رجع الى ناحية إسكندرية والسبب في ذلك، ما حصل في الواقعة التي قتل بها أحمد بك الحسيني قيل إن ذلك بنفاقه عليه، واتضح ذلك للقبطان وأحضرت العرب مراسلته إليهم بذلك فانحرف عليه القبطان، فلما علم ذلك داخله الخوف، ثم أرسل إليه الأمراء والقبطان أماناً فرجع بعد أيام.
ومنها حضور الجمع الكثير من أهالي الصعيد هروباً من الألفي وما أوقعه بهم من الجور والمظالم والتقارير والضرائب والغرائم، وحضر أيضاً الشيخ عبد المنعم الجرجاوي والشيخ العارف وخلافهم يتشكون مما أنزله على بلادهم، وطلب متروكات الأموات، وأحضر ورثتهم وأولادهم وأطفالهم ومن توسط أو ضبط أو تعاطى شيئاً من القضاة والفقهاء وحبسهم وعاقبهم وطالبهم، وطلب استئصال ما بأيديهم، ونحو ذلك كل ذلك بأمن من الدولة وغير ذلك معين. فحضروا فصالحوا على تركة سليم كاشف بإثنين وعشرين ألف ريال بعد أن ختموا على دوره، بعد أن أزعجوا حريمه وعياله ونطوا من الحيطان، ثم حضروا الى مصر وأمثال ذلك.
ومنها كثرة تعدي العسكر بالأذية للعامة وأرباب الحرف فيأتي الشخص منهم ويجلس على بعض الحوانيت، ثم يقوم فيدعي ضياع كيسه، أو سقوط شيء منه، وإن أمكنه اختلاس شيء فعل أو يبدلون الدنانير الزيوف الناقصة، النقص الفاحش بالدراهم الفضة قهراً أو يلاقشون النساء في مجامع الأسواق من غير احتشام ولا حياء وإذا صرفوا دراهم أو أبدلوها، اختلسوا منها وانتشروا في القرى والبلدان ففعلوا كل قبيح، فتذهب الجماعة منهم الى القرية وبيدهم ورقة مكتوب باللغة التركية يوهمونهم أنهم حضروا إليهم بأوامر ما برفع الظلم عنهم، أو ما يبتدعونه من الكلام المزور ويطلبون حق طريقهم مبلغاً عظيماً ويقبضون على مشايخ القرية ويلزمونهم بالكلف الفاحشة ويخطفون الأغنام ويهجمون على النساء وغير ذلك مما لا يحيط به العلم، فطفشت الفلاحون وحضر أكثرهم الى المدينة حتى امتلأت الطرق والأزقة منهم، أو يركب العسكري حمار المكاري قهراً ويخرج به الى جهة الخلاء فيقتل المكاري ويذهب بالحمار فيبيعه بساحة الحمير وإذا انفردوا بشخص أو بشخصين خارج المدينة أخذوا دراهمهم أو شلحوهم ثيابهم أو قتلوهم بعد ذلك، وتسلطوا على الناس بالسب والشتم ويجعلونهم كفرة وفرنسيس، وغير ذلك وتمنى أكثر الناس وخصوصاً الفلاحين أحكام الفرنساوية.
ومنها أن أكثرهم تسبب في المبيعات وسائر أصناف المأكولات والخضارات ويبيعونها بما أحبوا من الأسعار، ولا يسري عليهم حكم المحتسب، ولا غيره وكذلك من تولى منهم رياسة حرفة من الحرف كالمعمارجية أو غيرهم، قبض من أهل الحرفة معلوم أربع سنوات وتركهم. وما يدينون فيسعرون كل صنف بمرادهم، وليس له هو التفات لشيء سوى ما يأخذه من دراهم الشكاوي فغلا بسبب ذلك الجبس والجير وأجر الفعلة والبنائين خصوصاً، وقد احتاج الناس لبناء ما هدمه الفرنسيس، وما تخرب في الحروب بمصر وبولاق وجهات خارج البلد حتى وصل الأردب الجبس الى مائة وعشرين نصف فضة والجير بخمسين نصف فضة، وأجرة البناء أربعين فضة والفاعل عشرين، وأما الغلة فرخيصة وكذلك باقي الحبوب بكثرتها مع أن الرغيف ثلاثة آواق بنصف، لما ذكر من عدم الاتفات الى الأحكام والتسعيرات.

. جمادى الثانية سنة 1216:

واستهلت بيوم السبت وفيه تفكك الجسر الكبير المنصوب من الروضة الى الجيزة، وذلك من شدة الماء وقوته فتحللت رباطاته وانتزعت مراسيه وانتشرت أخشابه تفرقت سفنه وانحدرت الى بحري.
وفي ليلة الأحد ثانيه، حصلت زلزلة في ثالث ساعة من الليل.
وفي يوم الإثنين ثالثه، قطعوا رأس مصطفى المقدم المعروف بالطاراتي بين المفارق بباب الشعرية، وذلك بعد حبسه أياماً عديدة، وضربه وعقابه حتى تورمت أقدامه وطاف مع المعينين عدة أيام يتداين بواقي ما قرر عليه، ودخل داراً نافذة وأجلس الملازمين له ببابها وهم لا يعلمون بنفوذها وأوهم أنه يريد التداين من صاحب الدار ونفذ من الجهة الأخرى واختفى في بعض الزوايا فاستعوقه الجماعة ودخلوا الى الدار، فلم يجدوه وعلموا بنفوذها فقبضوا على خدمة الدار وضربوهم، فلم يجدوا عندهم علماً منه، فأطلقوهم وأوقعوا عليه الفحص والتفتيش فرآه شخص ممن صادره في أيام الفردة، فصادفه في صبحها خارج باب القرافة فقبض عليه. وأحضره بين يدي جماعة القلق فدل عليه، فقبضوا عليه وقتلوه بعد القبض عليه بثلاثة أيام وتركوه مرمياً تحت الأرجل وسط الطريق وكثرة الازدحام ثلاث ليال وفعلوا عادتهم في جبي الدراهم من تلك الخطة.
وفيه ورد فرمان من محمد باشا والي مصر، بأن يتأهبوا لموكبه على القانون القديم، فكتبوا تنابيه للوجاقلية والأجناد بالتهيؤ للموكب.
وفي يوم الثلاثاء، وصل شمس الدين بك أمير اخور كبير ومرجان آغا دار السعادة فأرسلوا تنابيه الى الوجاقلية والأمراء والمشايخ ومحمد باشا وابراهيم باشا فاجتمعوا ببيت الوزير. وحضر المذكوران بعد الظهر فخرج الوزير ولاقاهما من المجلس الخارج، فسلماه كيساً بداخله خط شريف فأخذه وقبله وأحضرا له بقجة بداخلها خلعة سمور عظيمة فلبسها وسيفاً تقلد به وشلنج جوهر وضعه على رأسه، ودخل صحبتهما الى القاعة حيث الجمع ففتح الكيس وأخرج منه الفرمان، ففتحه وأخرج منه ورقة صغيرة فسلمها لرئيس أفندي فقرأها باللغة التركية والقوم قيام على أقدامهم مضمونها الخطاب لحضرة الوزير الحاج يوسف باشا وحسين باشا القبطان والباشات والأمراء والعساكر المجاهدين والثناء عليهم والشكر لصنيعهم، وما فتحه الله على يديهم وإخراجهم الفرنسيس، ونحو ذلك، ثم وعظ بعض الأفندية بكلمات معتادة ودعوا السلطان والوزير والعساكر الإسلامية، وتقدم ابراهيم باشا ومحمد باشا وطاهر باشا وباقي الأمراء، فقبلوا ذيل الخلعة وانصرفوا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة في ذلك الوقت، وفي ذلك اليوم ألبس الوزير الأمراء والبلات فراوي وخلعاً وشلنجات ذهب على رؤوسهم.
وفيه حضرت أطواخ بولاية جدة لمحمد باشا توسون أغات الجبجية وهو إنسان لا بأس به.
وفيه حضر القاضي الجديد من الروم ووصل الى بولاق وهو صاحب المنصب فأقام ثلاثة أيام وصحبته عياله وحريمه، فلما كان يوم السبت ثامنه حضر بموكبه الى المحكمة، وذهب إليه الأعيان في صبحها وسلموا عليه وله مسيس بالعلم.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره، عمل الوزير الديوان وحضر عنده الأمراء، فقبض على ابراهيم بك الكبير، وباقي الأمراء الصناجق وحبسهم وأرسل طاهر باشا بطائفة من العسكر الأرنؤد الى محمد بك الألفي بالصعيد، وكان أشيع هروبه الى جهة الواحات، وذهبت طائفة الى سليم بك أبي دياب، وكان مقيماً بالمنيل، فلما أخذ الخبر طلب الهرب، وترك حملته، فلما حضرت العسكر إليه، فلم يجدوه فنهبوا القرية وأخذوا جماله وهي نحو السبعين وهجنه وهي نيف وثلاثون هجيناً، وذهبت إليه طائفة بناحية طرا فقاتلهم ووقع بينهم بعض قتلى ومجاريح. ثم هرب الى جهة قبلي من على الحاجز، ووقفت طائفة العسكر والأرنؤد بالأخطاط والجهات. وخارج البلد يقبضون على من يصادفونه من المماليك والأجناد ونودي في ذلك اليوم بالأمن والأمان على الرعية والوجاقلية، وأطلق الوزير مرزوق بك ورضوان كتخدا ابراهيم بك وسليمان آغا كتخداه المسمى بالحنفي وأحاطت العسكر بالأمراء المعتقلين واختفى باقيهم. ونودي عليهم وبالتوعد لمن أخفاهم أو آواهم وباتوا بليلة كانت أسوأ عليهم من ليلة كسرتهم وهزيمتهم من الفرنسيس وخاب أملهم وضاع تعبهم وطمعهم، وكان في ظنهم أن العثملي يرجع الى بلاده، ويترك لهم مصر ويعودون الى حالتهم الأولى يتصرفون في الأقاليم كيفما شاؤوا فاستمروا في الحبس، ثم تبين أن سليم بك أبا دياب ذهب الى عند الانكليز والتجأ إليهم بالجيزة وألبس لوزير سليمان آغا تابع صالح آغا زي العثمانيين وجعله سلخور وأمره أن يتهيأ ليسافر الى اسلامبول في عرض الدولة.
وفي يوم الإثنين سابع عشره، سافر إسمعيل أفندي شقبون كاتب حوالة الى رشيد باستدعاء من الباشا والي مصر.
وورد الخبر بوصول كسوة للكعبة من حضرة السلطان، فلما كان يوم الأربعاء حضر واحد أفندي وآخرون وصحبتهم الكسوة فنادوا بمرورها في صبحها يوم الخميس، فلما أصبح يوم الخميس المذكور ركب الأعيان والمشايخ والأشاير وعثمان كتخدا المنوه بذكره لإمارة الحج وجمع من الجاويشية والعساكر والقاضي، ونقيب الأشراف وأعيان الفقهاء وذهبوا الى بولاق. وأحضروها وهم أمامها وفردوا قطع الحزام المصنوع من المخيش ثلاث قطع والخمسة مطوية، وكذلك البرقع ومقام الخليل، كل ذلك مصنوع بالمخيش العال والكتابة غليظة مجوفة متقنة وباقي الكسوة في سحاحير على الجمال، وعليها أغطية جوخ أخضر ففرح الناس بذلك. وكان يوماً مشهوداً وأخبر من حضر أنه عندما وصل الخبر بفتح مصر، أمر حضرة السلطان بعملها فصنعت في ثلاثين يوماً، وعند فراغها أمرهم بالسير بها ليلاً، وكان الريح مخالفاً فعندما حلوا المراسي اعتدل الريح بمشيئة الله تعالى، وحضروا الى إسكندرية في أحد عشر يوماً.
وفيه وردت الأخبار بأن حسين باشا القبطان لم يزل يتحيل وينصب الفخاخ للأمراء الذين عنده وهم محترزون منه وخائفون من الوقوع في حباله، فكانوا لا يأتون إليه إلا وهم متسلحون ومحترزون وهو يلاطفهم ويبش في وجوههم الى أن كان اليوم الموعود به عزم عليهم في الغليون الكبير الذي يقال له أزج عنيرلي، فلما طلعوا الى الغليون وجلسوا، فلم يجدوا القبودان فأحسوا بالشر وقيل إنه كان بصحبتهم فحضر إليه رسول، وأخبره أنه حضر معه ثلاثة من السعاة بمكاتبة فقام ليرى تلك المراسلة، فما هو إلا أن حضر إليهم بعض الأمراء وأعلمهم أنه ورد خط شريف باستدعائهم الى حضرة مولانا السلطان وأمرهم بنزع السلاح فأبوا ونهض محمد بك المنفوخ وسل سيفه وضرب ذلك الكبير فقتله، فما وسع البقية إلا أنهم فعلوا كفعله وقاتلوا من بالغليون من العساكر وقصدوا الفرار، فقتل عثمان بك المرادي الكبير وعثمان بك الأشقر ومراد بك الصغير وعلي بك أيوب ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك الحسيني الذي قامر عوضاً عن أحمد بك الحسيني وابراهيم كتخدا السناري وقبض على الكثير منهم وأنزلوهم المراكب، وفر البقية مجروحين الى عند الانكليز وكانوا واقعين عليهم من ابتداء الأمر فاغتاظ الانكليز وانحازوا الى إسكندرية وطردوا من بها من العثمانيين وأغلقوا أبواب الأبراج وحضر منهم عدة وافرة وهم طوابير بالسلاح والمدافع واحتاطوا بقبطان باشا من البر والبحر فتهيأ عساكره لحربهم فمنعهم فطلب الانجليز بروزه بعساكره لحربهم فقال لم يكن بيننا وبينكم حرب واستمر جالساً في صيوانه فحضر إليه كبير الانجليز وتكلم معه كثيراً وصمم على أخذ بقية الأمراء المسجونين فأطلقهم له فتسلمهم وأخذ أيضاً المقتولين ونقل عرضي الأمراء من محطتهم الى جهة الإسكندرية وعملوا مشهداً للقتلى مشى به عساكر الانجليز على طريقتهم في موت عظمائهم ووصل الخبر الى من بالجيزة من الانكليز وذلك ثاني يوم من قبض الوزير على الأمراء ففعلوا كفعلهم وأخذوا حذرهم وضربوا بعض المدافع ليلاً وشرعوا في ترتيب آلة الحرب.
وفي ذلك اليوم، طلع محمد باشا توسون والي جدة الساكن بيت طرا الى القلعة وصعد معه جملة من العسكر وشرعوا في نقل قمح ودقيق وقومانية وملؤوا الصهاريج وشاع ذلك بين الناس فارتاعوا وداخلهم الوسواس من ذلك واستمروا ينقلون الى القلعة مدافع وبارود أو آلات حرب.
وفي يوم الإثنين رابع عشرينه، حضر كبير الانجليز الذي بالجيزة فألبسه الوزير فروة وشلنجاً.
وفي ذلك اليوم، خلع الوزير على عثمان آغا المعروف بقبي كتخدا وقلده على إمارة الحج.
وفي ذلك اليوم، وقع بين عسكر المغاربة والانكشارية فتنة ووقفوا قبالة بعضهم ما بين الغورية والفحامين وأغلقت الناس حوانيتهم بسوق الغورية والعقادين والصاغة والنحاسين ولم يزالوا على ذلك حتى حضر أغات الانكشارية وسكنت الفتنة بين الفريقين.
وفي الخميس سابع عشرينه، مروا بزفة عروس بسوق النحاسين وبها بعض انكشارية فحصلت فيهم ضجة ووقع فيهم فشل فخطفوا ما على العروس وبعض النساء من المصاغ المزينات به وفي أثناء ذلك مر شخص مغربي فضربه عسكري رومي ببارودة فسقط ميتاً عند الأشرفية فبلغ ذلك عسكر المغاربة فأخذوا سلاحهم وسلوا سيوفهم وهاجت حماقتهم وطلعوا يرمحون من كل جهة وهم يضربون البندق ويصرخون فأغلقت الناس الحوانيت وهرب قلق الأشرفية بجماعته وكذلك قلق الصنادقية وفزعت الناس ولم يزالوا على ذلك من وقت الظهر الى الغروب ثم حال بينهم الليل وقتل المغاربة أربعة أشخاص وأصبحوا محترسين من بعضهم فحضر أغات الانكشارية على تخوف وجلس بسبيل الغورية وحضر الكثير من عقلاء الانكشارية وأقاموا بالغورية وحوالي جهة الكعكيين والشوائين حيث سكن المغاربة واستمر السوق مغلقاً ذلك اليوم ورجعت القلقات الى مراكزها وبردت القضية وكأنهم اصطلحوا وراحت على من راح.
وانقضى هذا الشهر بحوادثه التي منها استمرار نقل الأدوات الى القلعة وكذلك مراكز باقي القلاع مع أنهم حربوا أكثرها.
ومنها زيادة تعدي العسكر على السوقة والمحترفين والنساء وأخذ ثياب من ينفردون به من الناس في أيام قليلة.
ومنها استمرار مكث النيل على الأرض وعدم هبوطه حتى دخل شهر هاتور وفات أوان الزراعة وعدم تصرف الملتزمين وهجاج الفلاحين من الأرياف لما نزل بهم من جور العسكر وعسفهم في البلاد حتى امتلأت المدينة من الفلاحين ونودي عليهم عدة مرار بذهابهم الى بلادهم.
ومنها أن الوزير أمر المصرلية بتغيير زيهم وأن يلبسوا زي العثمانية فلبس أرباب الأقلام والأفندية والقلقات القواويق الخضر والعنتريات وضيقوا أكمامهم ولبس مصطفى آغا وكيل دار السعادة سابقاً وسليمان آغا تابع صالح آغا وخلافهما.